السبت، 2 مايو 2015

النضوج العقلي

كنت في الصف الثالث الابتدائي طفلا سعيدا مرحا إلا أن ذلك لم يدم طويلا للأسف. لقد وجدت نفسي طفلا بين أطفال أكثر مني نضجا وأوسع إدراكا وأقوى شخصية وأكثر تفاعلا مع الواقع وأبعد من كونهم أطفالا.
أتذكر كنت ألعب معهم لعبة التخفي. وكنت أقوم بخدع ذكية وأختبئ بطريقة سريعة مفعمة بالنشاط والحيوية لكني أحسست بعد ذلك أنهم لا يتحمسون لهذه اللعبة أو أني متحمس لها أكثر من اللازم!
سنة بعد سنة أرى الأطفال يزدادون نضجا وأنا كما أنا عقلي منغلق لا ينمو بل على العكس صحتي النفسية تتدهور وحالتي تزداد سوءا وشخصيتي تضعف حتى صرت مثل الأبله أمشي وحيدا في ساحة المدرسة  أقوم بتغيير تعابير وجهي لألفت نظر من أريد أن يصادقني لعل ذلك يشده إليه. لم يعد أحد يطيق صحبتي!
من الأشياء التي أتذكرها في هذا الشـأن أننا لما ذهبنا في رحلة إلى مكتبة ونحن في مرحلة متقدمة لا أذكر هل في الخامسة أم السادسة أو في الإعدادية لم أعرف ماذا أشتري؟ فاشتريت قصص توم وجيري ولعل المبلغ الزهيد الذي في يدي شجعني على ذلك. لكن حقيقة لم يستهويني شيء في المكتبة. رجعى إلى المدرسة فطلب منا المدرس أن نعرض له ماذا اشترينا. فتقدمت بما اشتريت وكنت أشعر أني طالب شاطر فنظر بنظرة. وأنا أنظر فيما يعرضه الطلاب لعل أحدا مثلي وأرتاح. تقدم طالب واسمه ياسر وعرض إليه كتابا علميا وكان مثل غيره شجاعا وجريئا فأحسست بخجل شديد. وتقدم آخر مثل حالتي تقريبا لكن كنت أنا أسوؤهم.

أصابني اكتئاب حاد وشعور بالوحدة قاتل وخوف وقلق من هذا العالم الوحش الكاسر الذي لا يرحم. لم أشعر بالغربة لأن الغريب لا يعرف الناس ولا يعرفونه، أما أنا فالناس تعرفني وتتعرض لي إما بالسخرية والاستهزاء أو بالتحرش الجسدي أو بالضرب والتعدي أو بتجاهل شخصيتي أو بالدعس على كرامتي.

هذه مواقف أتعرض لها ولا يعني أنني لا أتعرض لمواقف أخرى طيبة أو عادية. الأمر لا يخلو. لكن المواقف السيئة طافحة على السطح وآلامها ما زلت أتجرع مرراتها ورائحتها النتنة ما برحت أنفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق