السبت، 2 مايو 2015

التحرش الجسدي

في المدرسة:

كان في الصف الثالث ابتدائي ولد يدعى خالد وأظنه كان أكبر مني بسنة وكان مشاغبا ولا يخاف المدرسين. وكان يتحرش بي ويجلسني في حضنه ويؤذيني ولا يتركني لشأني حتى أثناء الحصة أمام معلمنا الذي كان يشاع عنه أنه متشدد وعصبي.

ومع أني كنت مجتهدا وذكيا إلا أن ذلك لم يكن يجعل هؤلاء الذين يقول عنهم الشاعر:

قف للمعلم وفه التبجيلا .... كاد المعلم أن يكون رسولا
 
لم يكن يجعل هؤلاء يدافعون عني ويساعدوني ويحموني في بيئة هم المسؤولون فيها عنا. فأي ظلم هذا؟!

أذكر مرة أن هذا الطالب رمى قلمي من على طاولتي أثناء الحصة التي يدرس فيها هذا المدرس الملتحي الذي يظن فيه الهيبة والوقار والخير والفضل. فشكوته إليه. فرد علي قائلا "خذ أنت القلم". قلت له وقد طفح عندي الكيل: "لن أفعل، هو الذي رماه وهو الذي يجب عليه أن يرجعه". فرمقني بعين غاضبة وأمرني باخذ القلم.

أصبت بصدمة أثرت في نفسي كثيرا وأنا الطفل البريء المسكين المغلوب على أمره الشاطر والمجد والمجتهد! هكذا يفعل بي!!!
إذا لم تجد أحدا تحتمي به من ظلم الظالمين، لا بل يتجاهلك وهو المسؤول عنك، والملزم بحمايتك، وأنت الضعيف الهزيل المغلوب على أمرك، أي صفة سوف تكتسب؟ وأي صفة جيدة منك سوف تسلب؟

إن التحرش الجسدي كان عمل تلك البيئة العفنة التي عشت فيها وقد كنت نحيفا ضعيف البنية لا أستطيع أن أدافع عن نفسي.

في الإعدادية ابتليت بولدين من صفوف أخرى يتحرشون بي ويؤذوني. وثالث كان يدعى فهد بدين قليلا كان يطاردني في الفسحة.

في المدرسة ما عدت أشعر بالأمان ولا الراحة النفسية وانتهى بي الأمر إلى العزلة والتقوقع ثم الجنون والهبل، نعم، كنت أصطنع شخصا أتحدث إليه أو تعارك معه! مرة أجعله واقفا أمامي ومرة بعيدا عني ومرة لا هذا ولا ذاك بل أتحدث مع نفسي وأظهر حركات في وجهي وأهز رأسي كأني أخاطب شخصا أمامي. أذكر مرة كنت أظهر حركات غبية على وجهي وفمي متأثرا بحركات عادل إمام في مسرحية "شاهد ما شفش حاجة" وذلك في ساحة المدرسة في الفسحة أمام الناس، كنت أفعل ذلك ليعجب بي أحد الطلاب لأني كنت معجبا به وأتمنى أن يبادرني نفس الشعور. بل ربما أفعل ذلك ليعجب بي أي أحد ومن ثم يتعرف علي! كانت حركات غبية جدا. أنا انصدمت لما تذكرت هذه القصة لقد تذكرت كيف كنت أمشي وحيدا معتوها في ساحة المدرسة. وكيف كنت أرى كل واحد يمسك بيد صاحبه! عندما تنتهي الفسحة وأرجع إلى الطابور أرى طلاب صفي متجمعين لا أعرف أين ذهب كل واحد منهم.
أذكر أيضا أني لما نزلت من الحافلة متجها إلى البيت رأيت بنات الجيران في طريقهن إلى بيوتهن، فأحببت أن أستعرض لهن قوتي الكاذبة فاخترعت شخصا وهميا واقفا خلف بيتنا بحيث أشعر نفسي أن البنات لم ينتبهن له وقد كان يريد فعل شيء غير سوي فاتجهت إليه مسرعا إليه راميا بحقيبتي المدرسية وقد خلعت حذائي متخيلا نفسي ستيف اوستن -لأنني كنت معجبا ومتأثرا به فأنا سريع التأثر بالآخرين- فأمسكت به وتكلمت معه وقلت له لا تعيدها مرة أخرى فلا حول ولا قوة إلا بالله!
إنني فعلا حزين عندما أتذكر هذه الأحداث! وأشفق على نفسي ساعتها أي حال كنت فيه!

في البقالة:
كان الباعة في جميع البقالات من الهنود وقد اختار والدي رحمه الله تعالى واحدة من هذه البقالات نشتري منها على الديْن وكانت تبعد عن المنزل قرابة كيلو متر. وكنت أذهب مرات ماشيا لأشتري الأغراض في المرحلة الإعدادية والثانوية لم يكن في البيت سيارة. كنت في المرات الأولى أذهب مع أخي الذي يكبرني سنتين. وكنت أختبئ  في ركن من أركانه في مكان ضيق تاركا أخي يشتري الأشياء. وظل الحال هكذا، اقترب مني أحد الهنود ويدعى مصطفى وتحدث إلي ما اسمك ومن هذه الأسئلة وأنا آثار الخوف والخجل على وجهي البريء والابتسامة الساخرة الخبيثة على وجهه المغبر. وتمر الأيام وأنا على هذا الحال. ثم صرت أذهب إلى البقالة لوحدي، ثم صار الهندي يقترب مني ويلمس ذراعي وظهري ويحاول أن يلتصق بي. وفي أيام أخرى يتجمع اثنان وثلاثة آخرون يتحدثون إلي ويتقدمهم مصطفى ثم يتكلم معهم بلغتهم ويضحكون كأنهم يسخرون مني وأنا خائف!
أنا كنت أدخل هذه البقالة ومعي الورقة مكتوب فيها المشتريات ثم أتجه فورا إلى ذلك المكان كأني أبحث عن شيء هناك وفي الحقيقة كنت أريد أن أقبع هناك فحسب. ثم يأتي واحد منهم ويسألني ماذا تريد فأقول أريد كذا وكذا حتى يحضر جميع الأشياء.
كبرت فحاولت أن أخرج من تلك البقعة شيئا فشيئا حتى نجحت فصرت أبحث عن الأشياء لوحدي أو أسألهم إن لم أجد.
جاء مساعد جديد وكان يتحرش بي أيضا ولم أستطع أن أفعل له شيئا. ثم كبرت قليلا فحاولت أن ألقنه درسا فسحبت حذائي وضربته به فغضب ورمى حذائي في الخارج فخفت لأني ظننته سيرتعد ويخاف مني لكن لم يحصل ذلك فأحرجت وخفت أكثر.
اختفى مصطفى بعدها بسنوات ولا زلت أشتري من هذه البقالة فترات طويلة جدا سنوات ثم ظهر فجأة وقد شاخ قليلا فقالوا لي هل تعرف هذا؟ ساخرين! قلت نعم بلكنة الخائف المذعور. اكتشفت بعد فترة أنه يعمل في بقالة قريبة عندما دخلتها صدفة فلما رأيته أصابني خوف لكن تمالكت نفسي ووضعت ما أريد وسألته عن السعر ولم أزد. حتى هذه اللحظة أخاف الدخول إلى هذه البقالة.

في المسجد:
دخلت المسجد بعد خروج جميع المصلين منه لأعطي المؤذن ويدعى سالم وهو هندي أيضا فسلمت عليه وأخذ يدي وقبلها.

في الحارة:
كان ولد أصغر عني بسنة بدينا نوع ما قليلا ما يتحرش بي وبآخرين.

في الحديقة:
أخذت إخواني الثلاثة الأصغر مني سنا إلى الحديقة القريبة من المنزل. وتركتهم يلعبون ولعبت فصعدت الزحليقة فجاء واحد فوضعني في حضنه وتزحلق. زاد خجلي فقررت أن أرجع. حتى هذه اللحظة كل ما أمر هناك أتذكر هذه الحادثة وأعتصر ألما!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق