الجمعة، 20 نوفمبر 2015

جلسة ‏نفسية ‏مع ‏دكتور ‏(1)

سأتحدث اليوم عن آخر عيادة نفسية ذهبت إليها وهي تبعد عن منزلنا قرابة ساعة ونصف الساعة. كنت أخرج من عملي ظهرا ولا أعود إلى إلا بعد أكثر من ثلاث ساعات.
حصل أن ضاقت بي الدنيا بما رحبت، واجتمعت فيّ أحزانها وهمومها، ما عدت أتحمل، سأنفجر. صادف وأنا في هذه الحالة أن أخبرني أخو زوجتي أنه يتعالج عند طبيبة في عيادتها الخاصة بالتنويم الإيحائي، وقد استفاد منها. شدني هذا النوع من العلاج وقلت أجربه. فقمت بالاتصال بمكتبها لكن دون جدوى، فلا أحد يرد حتى يئست. فقررت أن أبحث عن عيادة أخرى من خلال الشبكة العنكبوتية. استمر البحث أياما حتى عثرت على طبيب له لقاءات تلفزيونية، وله حساب في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) فيه رقم جواله. اتصلت به وأخبرته بما أعاني فقال: "أنا طبيب أصف الأدوية فقط ولكن يوجد أخصائيون أكفاء في العيادة التي أعمل فيها يمكنهم مساعدتك". فذكر اسمين أو ثلاثة ونصحني بفلانة. اتصلت من فوري بالعيادة وطلبت منهم التحدث إليها وأشرح لها حالتي. بعد فترة تلقيت اتصالا منها، فأخبرتها بالذي أعاني، ثم سألتها إن كانت تعالج بالتنويم الإيحائي، ففاجأتني بأنها لم تسمع بهذا المصطلح بحجة أنها كانت تعيش في أمريكا فترة طويلة جدا ولا تعرف المصطلحات العربية!!!! مع العلم أنها عاشت سنوات في بلادي وقد شغلت مديرة في أحد المسشتفيات الحكومية!!!! على أية حال، طلبت مني أن آتي. فسجلت معها موعدا. وكانت الساعة الواحدة تكلف 163 دولارا. وكانت كل جلساتي مدتها ساعة واحدة فقط. وغالبا ما آتيها في الأسبوع مرتين.
 جاء الموعد. دخلت غرفة العلاج. قلت لها: "سأشرح لك ما أعاني لكن بشرط أن تكوني صادقة معي إن كنت تستطعين علاجي أم لا لأني كذا وكذا" فأخبرتها بكل تجاربي السابقة ومدى ما كنت أعاني. وافقت، فبدأت أخبرها بمشكلتي، وأسرد لها قصتي، وأزيد عما في مدونتي. لكن حين بدأتُ، لم أستطع أن أتمالك نفسي، فأجهشت عندها بالبكاء، من فرط ما قد أصابني، وكرب عظيم إليها جاء بي. فظللت ساكتا برهة، أتنهد وأمسح بأصابع كفي دموعي، حتى تهدأ نفسي ويسكن انفعالي. كانت تحاول تهدئتي، حتى هدأت وأكملت قصتي إلى أن شارف الوقت على الانتهاء ولم يبق شيء عندي لأقوله. "هذه قصتي كلها فهل تستطيعين علاجي أم لا؟". قالت بلهجة الواثق: "نعم. في ثمان جلسات!". فطلبت مني أن أكتب ثلاثة أشياء أحبها في نفسي وثلاثة أشياء أكرهها كواجب للجلسة التالية. توسمت خيرا! إنها بداية العلاج.
جاءت الجلسة الثانية. سألتني عن أحوالي خلال الفترة الفائتة بعد أن أخرجت ما في نفسي في الجلسة الأولى. قلت لها: الأمر سيان!
لم تكن تعرف كيف تبدأ معي الكلام وكأني لم أحدثها بشيء! المفترض أن تكون استوعبت المشكلة، ورسمت للعلاج خطة، وإذا كان في الأمر استشكال، استوضحت مني. لكن هذا يدل على جهلها وجهل أمثالها.
تجاهلت الموقف وتكلمت بأي شيء أتذكره وما هو موقفي وفلسفتي في هذه الحياة. وبينت لها زيادة الحمل علي بعد وجود ولد مسؤول عنه. وأنا أتحدث لم أرها تفعل شيئا حاشا تحريك رأسها، ورمي بعض الكلمات العامة البالية المملة، ومقتضباتٍ أخذتها من بطون الكتب، وأحاديث سطحية تنفع في مجالس النساء! لا شيء يميزها عن غيرها من عامة الناس! كنت أنتظر منها أن تسألني عن الشيء الذي طلبته مني. لكن بدا لي أنها نسيت. هنا أصابني شيء من الإحباط وقلت لها: "كأنك نسيت كذا وكذا" فردت بلهجة المخادع: "لا، لم أنس بل كنت بصدد سؤالك عنه". كنت أشعر في كل جلسة أني شخص جديد عليها، كأني لم أحدثها بشيء. أي استهتار هذا!!
ثلاث جلسات متوالية من الكلام عن نفسي. أما تكفيك جلسة أو حتى جلستين. ألا يوجد لديك شيء مفيد؟ شيء يميزك عن عوام الناس فضلا عن المتعلمين؟؟ أنا لم أر منها شيئا يثبت أنها فعلا متخصصة في مجالها.
في الجلسة الرابعة دخلت فوجدت على طاولتها جهاز. لا أخفيكم كم شعرت براحة. كنت أريد شيئا عمليا بدل الكلام النظري البالي. الجهاز عبارة عن شاشة تظهر فيها عند تشغيله حركة شعاع ضوئي يذهب يمينا ويسارا، وعليّ أن أراقبه وهو يتحرك، وأضع سماعة في أذنَيْ، وأمسك بكفي الأيمن طرف سلك موصول به وآخر بكفي الأيسر، وأتخيل الذكريات السيئة. تزعم هي أن هذا الجهاز يزيل الذكريات السيئة أو تبقى ضعيفة لا تأثير لها عليّ. قلت في نفسي أمري إلى الله أجرب. بدأت وبعد خمس دقائق، سألتني: "هل أحسست بتغيير؟". ألهذه الدرجة هذا الجهاز سريع المفعول؟!! لا أكاد أصدق!!! وتسألني بكل ثقة!!! قلت: "لا". فقالت: "استمر". رجعت للجهاز وأقنعت نفسي بتأثير هذا العلاج. لعل فيه سحرا وأنا لا أعرف! انتهت الجلسة!
في الجلسة الخامسة دخلت وإذا بالجهاز المشؤوم أمامي!! هل سيرافقني هذا الدجل بقية الجلسات؟؟ طلبت مني أن أفعل الشيء ذاته. وافقت. وبعد خمس دقائق سألتني السؤال الأبله: "هل تحس بتغيير؟" قلت: "لا". فسألتها مستنكرا: "هل حقا هذا الجهاز مفيد؟" قالت: "نعم! وهو جهاز مشهور وقد تم تجرب على أشخاص كثر واستفادوا منه". احتد الجدال بيني وبينها حوله. لا أريد هدر وقتي ومالي في هذا الدجل والشعوذة. انفعلت وكادت تبكي وقالت: "إني أحاول مساعدتك وأفعل كل ما بوسعي لعلاجك. وهذا الجهاز مشهور" وصارت تمدح فيه. "لكن يبدو أني لم أوفق في علاجك. لك أن تذهب إلى طبيب آخر". هنا صعقت، صرت أنظر إليها بنظرات الطريد المشرد، وآثار الصدمة بادية علي، رأيت الإحباط من حولي قد أحاط بي حتى كاد يعصرني. "أذهب إلى مركز آخر وأبدأ من نقطة الصفر؟؟!!! حرااااام! لقد جلست معك ثلاث جلسات، وأخذتِ من وقتي ثلاث ساعات غير المسافات الطويلة أشرح لك ما أعاني، ثم وبكل بساطة تقولين اذهب إلى طبيب آخر". قالت: "هذا ما عندي". قلت لها: "هذا الجهاز لا ينفع لأن ما أعاني منه لا يفيده هذا الجهاز. ألا توجد لديكم تقنية غيره؟". قالت: "ماذا تريد؟ أنا لست زوجتك لأطبطب عليك"
صدمتني مرة أخرى! أهذه عبارة تصدر من أخصائي نفسي؟؟؟!!!
بين الأخذ والرد اقتنعت بكلامي لما شرحت لها لم هذا الجهاز لا ينفعني. رجعت أحكي لها أشياء على ما تبقى من الوقت. ثم سألتني: "كيف تشعر الآن؟" قلت: "أحسست براحة نفسية حين أخرجت ما أعاني". صاروا أربع جلسات فقد أفرغت ما بداخلي وضمت إليها الجلسة الخامسة والسادسة. في إحدى هذه الجلسات تتكلم عما يحتاجه ولدي وكيف يجب أن تكون معاملته. وأنا في نفسي أقول: ما دخل ولدي؟ أنا الذي أحتاج للعلاج وليس ولدي. تأكدت الآن أنها فعلا لم تسمع بالتنويم الإيحائي لا بالعربي ولا بالانجليزي.
وأخيرا قالت ويا شؤم ما قالت: "أنا أعرف من يستطيع مساعدتك إنه الدكتور فلان، ويصلح لك، وهو أعلم مني في هذا المجال، أما أنا فمتخصصة في أمر لا أراه يفيدك"
هل ملت مني؟ أم اكتفت بالست جلسات! ما شاء الله ... ما شاء الله !!!!! لقد اكتشفت الدكتورة بعد ست جلسات أن حالتي ليست من اختصاصها!!!
ماذا أفعل! حكم الحاجة! وافقت وأمري إلى المولى عز وجل. قلت لها: لكن لا أريد أن أعيد له قصتي من جديد. قالت: لا تقلق سأشرح له وأفهمه موضوعك وها أنا ذي أرسل له رسالة أفهمه حالتك.

حددنا موعدا معه. وبدأت الجلسة السابعة مع الدكتور فلان ..... تابعونا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق